الثمرات الجنية شرح المنظومة البيقونية
الحديث الموضوع
والكذِبُ المختلَقُ المصنُوعُ | عَلَى النبي فذلِكَ الموْضوعُ |
قوله: (والكذب المختلق المصنوع...على النبي فذلك الموضوع).
(الموضوع): هو الذي تَحَقَّقَ أَنه مكذوب، واشتقاقه من وضع الشيء أي ابتدأه، ويسمى المختلق، كأن صاحبه هو الذي اختلقه يعني افتراه، ويسمى المكذوب، فالمكذوب والمفترى والمختلق والموضوع والمصنوع معناها واحد، والوضع في الحديث قد وجد منذ زمن بعيد.
أسباب وضع الأحاديث:
والواضعون للحديث أصناف فهناك أُناس ضعافُ الدِّين وضعوا أحاديث انتصارا للمذاهب، كما روي أن رجلا حنفيا أراد أن يرفع من قدر إمامهم أبي حنيفة اسم> ويضع من قدر الشافعي محمد بن إدريس اسم> -رحمه الله- فاختلق حديثا بلفظ: يكون في أُمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أُمتي من إبليس، ويكون في أُمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أُمتي فعرف وضعه بظهور آثار الاختلاق عليه. وذكروا أن رجلا جاءه ولده يشكو المعلم الذي يعلم القرآن أنه ضربه، فقال: لأفضحنَّ المعلمين اليوم، ثم رَكَّبَ إسنادا له إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وافترى حديثا بلفظ: مُعلِّمُو صبيانكم شرارُكم أقلهم رحمةً لليتيم، وأغلظهم على المسكين أو نحوه، فاعترافه بأنه سيفضح المعلمين دل على أنه اختلق ذلك وكذب.
وقد يكون مما يدل عليه قرائن الحال، ففي مجلس من المجالس اختلفوا مرة فقال بعضهم: سمع الحسن اسم> من أبي هريرة اسم> فأنكره بعضهم، فكان بينهم واحد من الوضَّاعين فَرَكَّبَ له إسنادا وفيه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع الحسن اسم> من أبي هريرة اسم> ) ومعروف أن الحسن اسم> ما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا تكلم في حقه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشيء، ولكن هذا دليل على الافتراء.
وقد يكون بعض من يضع الأحاديث يريد التَّقَرُّبَ بها إلى الملوك، كما ذكروا أن أحد الوضَّاعين دخل على المهدي اسم> وإذا المهدي اسم> -وهو خليفة- يلعب الحمام، يُطَيِّرُهُ من هنا، ويقع هنا، فيعجبه طيرانه من هنا ومن هنا، فيقول: إذا سبقت الحمامة الفلانية أو التي لونها كذا فَعَلَيَّ كذا، فأراد الوَضَّاعُ أن يفتري حديثا يقوِّي فعل المهدي اسم> فروى حديثا فيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا سَبَق إلا في نَصل أو خُفٍ أو حافرٍ أو جناح فكلمة جناح زادها كذبا من قِبَل نفسه، يريد بذلك الجائزة وقد أعطاه عشرة آلاف درهم، فلما خرج قال المهدي: اسم> أشهد أن قفاك قفا كذاب، ثم قال المهدي اسم> أنا الذي حملته على الكذب، ثم أمر بالحمام فذُبح فهذا كذب للتقرب إلى الملوك، ومعلوم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما قال (أو جناح).
وهناك من يكذب احتسابا كما رُوِيَ أن بعض القصاص ونحوهم يضعون على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحاديث في فضل السنة، وفي فضائل الأعمال وما أشبهها، فقيل لهم: كيف والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: رسم> من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار متن_ح> رسم> فقالوا: نحن ما كذبنا عليه، إنَّما كذبنا له، أي ننصر بذلك سنته، ونجلب الناس إلى شرعه، فنكذب في فضائل الأعمال؛ لأجل أن نرغب الناس فيها بأحاديث في فضل الصلاة وأحاديث في فضل الجهاد، وأحاديث في فضل الأعمال وفعل الخيرات وما أشبهها، فيُقال لهم: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد عمم في قوله: رسم> من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار متن_ح> رسم> .
وهذا آخر الكلام على هذه المنظومة:
وقد أتتْ كالجَوْهَرِ المكْنُــــــونِ | سمَّيتُها منظـــُومَةَ البَيْقـُوني |
فوقَ الثلاثينَ بأَربَعٍ أَتـــــــت | أَبياتُها ثُمَّ بخَيرٍ خُتــــــِمَت |
مسألة>